فصلٌ
في ذكر مصرع مسلم بن عقيل رضي الله عنه
نَفسِي الفِداءُ لقتيلٍ صَبْرا...بكى له السِبْطُ بعَينٍ عَبْرى
خَيرُ سَليلٍ مِنْ بَني عَقيلِ...من هاشمٍ من أَشْرَفِ القَبِيلِ
قَضّى الذي كانَ عليه وقَضى...فَفَازَ بالأَجْرِ الجَليلِ والرِّضَا
لو كانَ في الكوفةِ غيرُ مسلمِ...من مسلمٍ ما ضَرَّجوه بالدّمِ
قد نَقَضُوا ما كانَ أبرَمُوه...وافْتَرَقُوا عنه وأَسْلَمُوه
أمْسَى بغيرِ ناصرٍ وَمُنْجِدِ...ولا امرئٍ به الطَريقَ يَهتَدِي
فسارَ حتى جاءَ بابُ طوْعَة...وَقَدْ عَرَتْه حَيْرةٌ وَرَوْعَة
قالَ لها هلْ أَنتِ لي مُجِيْرَة...فليسَ لي في المِصْرِ منْ عَشِيرَة
قالَتْ أَأنْتَ مُسْلِمٌ قالَ أَجَلْ...فقالتِ ادخُلْ بيتَ داري فَدَخَلْ
فلمْ يَذُقْ في بيتِها طَعاما...وعينُه ما عَرَفَتْ مَناما
دلَّ عليه الفاسقُ ابن الأشْعَثِ...قُبِّحَ منْ عاتٍ ظَلُومٍ أَخْبَثِ
ومُسْلِمٌ لمّا أَحَسَّ بالطَلَبْ...ثم رأى عَدُوَّه منه اقْتَرَبْ
صالَ عليهمْ صَولَةَ الآسادِ...وهوَ بأعْلى صَوتِه يُنادي
أقْسَمتُ لاُ أُقْتَلُ إلاّ حُرّا...وإنْ رأيْتُ المَوْتَ شَيْئاً نُكْرا
وَبعدَ أَنْ سَقاهمُ الحِتُوفا...وَفَرَّقَ الجُموعَ والصِفُوفا
تكاثَروا وا أَسَفاً عليه...وبادَرُوا بجَمعِهمْ إليه
ثمَّ غَدَوا يَرمُونَه بالنارِ...وبالحِجارِ مِنْ أَعالي الدّارِ
وبعدَ أَنْ أُثْخِنَ بالجراحِ...وكادَ أَنْ يَهوى على البِطاحِ
قالُوا لَكَ الأَمانُ وهوَ مِنْهمُ...غَدْرٌ وفيه كانَ يَدْري مُسلِمُ
لكِنْ فَما الحِيلَةُ ما التَدْبِيرُ...وما لَه عَونٌ ولا نَصِيرُ
بَكَى وما كانَ بُكاه إلاّ...على الحسيِن وكفاه فَضْلا
ورامَ منهم جُرعَةً مِنْ ماءِ...يُطْفي بها حَرارةَ الأَحْشاءِ
فقالَ كَلْبٌ لم تَلِدْه حُرَّة...والله لا تَذُوقَ منه قَطْرَة
وَقد جَرى مِنَ الكَفُورِ المُلْحِدِ...نغلِ زيادٍ الظَلُومِ المُعتَدِي
ما قد جَرى من فاحِشِ الخِطابِ...ومِنْ قَبِيحِ الرّدِ والجَوابِ
وَغيرُ ضائرٍ عَواءُ الكَلبِ...إذا عَوَى على النُجُومِ الشُّهبِ
وكيفَ يُرْجى منْ عَدوِ الله فيِ...وَليِّه شيءٌ مِنَ التَعطفِ
قد صَعَدُوا به لأَعْلَى القَصْرِ...يَلْهجُ باسْتِغفارِه والذِكْرِ
ثمّ رَمَوا بجسْمه المُطهَّرِ...مِنْ بَعدِ قَتله بسَيفِ الأَحْمَرِي
رُزْءٌ بَكى السِبْطُ له واسْتَعْبَرا...الله ما أَعْظَمَه وَأَكْبَرا
وأَخْرَجُوا ابنَ عُروَةٍ منْ حَبْسِه...فقالَ وهو آيسٌ منْ نفسِه
وا مذحجاً وأينَ مِني مَذْحَجُ...هل بطَلٌ مُسْتَلئِمٌ مُدَجَّجُ
فلم يُجِبْ نِداءَه مُجِيبُ...ولم يَغِثْه الخِلُّ والقَرِيبُ
جَزاه ربُّ الخَلْقِ عَنْ وَلائِه...بما جَزَى خُلَّصَ أَوْليائِه