احتل الشيخ ابو الحب مكانة عالية ومنزلة سامية في الأوساط العلمية والأدبية في كربلاء والعراق لما يتمتع به من مؤهلات النبوغ والعلم والشاعرية ولا يزال بيته الخالد تردده الأفواه ويُقرأ في المجالس الحسينية ويُكتب على اللافتات:
إن كانَ دينُ محمدٍ لم يستقمْ *** إلا بقتلي يا سيوف خذيني
إن كنتِ مشفِقةً عليَّ دعيني *** ما زالَ لومُكِ في الهوى يُغريني
لا تحسبي أنّي للومِكِ سامعٌ *** إني إذاً في الحبِّ غيرُ أمينِ
بيني وبينَ الحبِّ عهدٌ كلّما *** رامَ العواذلُ نقضَه تركوني
ألبستُه ثوبَ الوقارِ تجمُّلاً *** كي لا تُري بي حالةُ المجنونِ
إن جُنّ خِلُّ العامريةِ يافعاً *** فلقد جننتُ ولم يحن تكويني
لو أن صادحةَ الحمامِ تعقّلت *** ما بي لأبدلتِ الغنا تأبيني
أو أنَّ ضالَ المنحنى مستمطراً *** دمعي لأبقاه بغيرِ غصونِ
البرقُ أنفاسي إذا هي صعّدتْ *** والغيثُ دمعي والرعودُ حنيني
قالوا: التجلد, قلت: ما هو مذهبي *** قالوا: التوجّد, قلت: هذا ديني
لا في سعاد ولا رباب وإنّما *** هو في البقايا من بني ياسين
الحبُّ هذا لا كمنْ تاهتْ به *** في الغيِّ سودُ ذوائبٍ وعيونِ
لما سمعتُ بذكرِ يومِهم الذي *** في كربلاءَ جرى ألفتُ شجوني
غوثاهُ من ذكراكِ وقعةُ كربلا *** يا أمَّ كلِّ حزينةٍ وحزينِ
ليسَ اللديغَ سوى لديغِكِ لا الذي *** أمسى يكابدُ نهشةَ التنّينِ
وعسى اللديغُ أصابَ حيناً راقياً *** إلّا لديغكِ ما له من حينِ
حتى القيامة وهي دون عذابِهِ *** بلظى همومِكِ لا لظى سجينِ
لاقى الحسينُ بكَ المنونَ وإنني *** لاقيتُ فيكِ عن الحسينِ منوني
يا بيضةَ الإسلامِ أنتِ حريّةٌ *** بعدَ الحسينِ بصفقةِ المغبونِ
أعطى الذي ملكتْ يداهُ إلهَه *** حتى الجنينَ فداهُ كلَّ جنينِ
في يومِ ألقى للمهالكِ نفسَه *** كيما تكونَ وقايةً للدينِ
وبيومِ قالَ لنفسِهِ من بعدما *** أدى بها حقَّ المعالي بِيني
أعطيتُ ربّي موثقاً لا ينقضي *** إلّا بقتلي فاصعدي وذريني
إن كانَ دينُ محمدٍ لمْ يستقمْ *** إلّا بقتلي يا سيوفُ خذيني
هذا دمي فلتروِ صاديةُ الظبا *** منه وهذا للرماحِ وتيني
نَفَذَ الذي ملكتْ يميني حسرةً *** ولأتبعته يسرتي ويميني
خذها إليكَ هديةً ترضى بها *** يا ربُّ أنتَ وليُّها من دوني
أنفقتُ نفسي في رضاكَ ولا أرانـي فاعلاً شيئاً وأنتَ معيني
ما كانَ قربانُ الخليلِ نظيرُ ما *** قرَّبته كلا ولا ذا النونِ
هذي رجالي في رضاكَ ذبائحٌ *** ما بينَ منحورٍ وبينَ طعينِ
رأسي وأرؤس أسرتي مع نسوتي *** تُهدى لرجسٍ في الضلالِ مبينِ
وإليكَ أشكو خالقي من عصبةٍ *** جهلوا مقامي بعدما عرفوني
جعلوا عظامي موطئاً لخيولِهم *** يا ربُّ ما ذنبٌ به أخذوني
ماءُ الفراتِ محللٌ لكلابِهم *** وأنا الذي من وردِهِ منعوني
ميراثُ جدّي خالصٌ لي دونهم *** ما بالهمْ عن إرثِهِ طردوني
أوصى نبيكَ قومَه في آله *** وانا ابنه حقاً وما حفظوني
هذا وقد كنتُ الرقيبَ عليهم *** يؤذيكَ ما من فعلهم يؤذيني
خذْ لي بثأري وانتقم ليْ منهم *** أنا عبدُكَ القنُّ الذي ظلموني
لم يبقَ ليْ شيءٌ أعدُّ نفيسَه *** لرضاكَ إلّا وارثي وأميني
هذا عليلي لا يطيقُ تحرُّكا *** لو يستطيع بنفسهِ يفديني
أبقيته ليكونَ بعدي موضحاً *** للناسِ غامضَ سرِّكَ المكنونِ
هذي أمانةُ أحمدٍ أدَّيتها *** فاشهدْ عليَّ بها وأنتَ أميني
يا أيّها الملكُ المحجَّبُ وثبةً *** يعنو لها بالذلِّ كلُّ حرونِ
أترى سواكَ اليومَ راتقُ فتقها *** هيهاتَ ليسَ سواكَ بالمأمونِ
ذهبَ الحسينُ بطخيةٍ لم تنكشفْ *** إلا بضوءِ حسامِكَ المسنونِ
خشعتْ له حتى السباعُ قلوبُها *** وترقرقتْ حتى العيونُ العينِ
غضبَ الإلهُ لعقرِ ناقةِ صالحٍ *** حتى أذاقهُمُ عذابَ الهونِ
وابنُ النبيِّ رضيعُه في حجرِهِ *** رضعَ السهامَ بنحرِهِ المطعونِ
ولقدْ خشيتُ بأن تزورَ منيّتي *** قبلَ انتصارِكُمُ بني ياسينِ
لا خيرَ في عمرِ الفتى ما لمْ يكنْ *** يفنى بنصرةِ صاحبٍ وخدينِ
هيَ بغيةٌ لو أنني أدركتُها *** لعلمتُ أنّي لستُ بالمغبونِ
هيهاتَ ذكرُكِ يا مرابعَ كربلا *** بعد الزمانِ وقربِهِ يُنسيني
ما أنتِ إلا روضةٌ ممطورةٌ *** بدمِ الأحبةِ لا السحابِ الجونِ
لا تنبتي إلا بدوراً وابهجي *** بهمُ ابتهاجَ الروضِ بالنسرينِ
جادوا لربِهم بكلِّ نفيسةٍ *** وفدوا إمامَهم بكلِّ ثمينِ
ثبتوا لمقترعِ ألألوفِ حمايةً *** عنه وما زادوا على السبعينِ
لي مثل نيّتهم ولكن القضا *** والجدّ أخّرني وهمْ سبقوني
يا من بحبِهم وبغضِ عدوِّهمْ *** يومَ القيامةِ في غدٍ تحصيني
أعيا الكرامَ الكاتبينَ توغُّلي *** في الموبقاتِ بكثرةِ التدوينِ
ما قمتُ من ذنبٍ أحاولُ توبةً *** إلّا وقعتُ بمثلهِ من حينِ
مُنُّوا بلطفِكمُ عليَّ فإنني *** عجزتْ بحملِ صغارِهنَّ مُتوني
إن كنتمُ لا تشفعونَ لغيرِ ذي *** ورعٍ فمنْ للخاطئِ المسكينِ
من يعتصمْ بولائكمْ لمْ يعتصمْ *** إلّا بحبلٍ للإلهِ متينِ