خطبة الزهراء في نساء المهاجرين والأنصار
قلن يا بضعة النبيّ المزكّى***كيف أصبحت بعد هذا العناء
فأجابت أصبحت والله ممّا***قد دهاني قد عفت دنيا الفناء
وقليت الرجال منكنّ لفظاً***بعد عجم لهم وحسن بلاء
فشناراً للَّعب من بعد جدّ***وفلول للحدّ بعد المضاء
ولصدع القناة دون التئام***ولقرع الصفاة دون ارتخاء
ولزيغ الأهواء دون اعتدال***ولختل الأفكار والآراء
بئس ما قدّموا من الخزي كفراً***بعد سخط الباري ليوم الجزاء
ولعمري قلّدتهم حين مالوا***عن هدى الحق ربقة الأُسراء
وبنصحي حمّلتهم حين صمّوا***وعموا عنه أوقة الأعباء
وشننت الغارات حرباً عليهم***غارة بعد غارة شعواء
ويحهم عن مهابط الوحي أنّى***زعزعوها ومعدن الأنبياء
ورواسي الإيمان والعدل منّا***والطبين الخبير في كلّ داء
في جميع الأمور ديناً ودنيا***دون جهل فيها ودون اختفاء
إنّ هذا الخطأ الذي ارتكبوه***لهو شرّالخسران دون اختشاء
ليت شعري وما الذي نقموه***من عليّ بعد الأذى والعناء
نقموا من عليّ بأساً شديداً***وجهاداً في الله دون رخاء
ونكيراً من سيفه ونكالاً***صار ما في تنمّر وإباء
قلّة الخوف والمبالاة زهداً***منه في حتفه بيوم اللقاء
ويميناً لو أنّهم بعد كفر***وضلال مالوا عن الإستواء
لهداهم إلى المحجّة رشداً***فاستقاموا بالحجّة البيضاء
ولساروا وسار بالقوم سيراً***سجحاً في مناهج الإهتداء
لا يصاب الخشاش منه بكلم***دون عنف منه ودون التواء
لا يملّ المسير فيه عناءً***أو يكلّ الساري به عياء
وسقاهم من منهل الحقّ ورداً***عذباً سائغاً لفرط الصفاء
تطفح الضفتان منه معيناً***خالصاً من ترنق الأقذاء
ولعادوا عند الصدور بطاناً***بعد شبع الطاوي بخير امتلاء
مع رشد لهم ونصح مبين***منه يبدو في الجهر شبه الخفاء
وهو في العيش لم يكن يتحلّى***منه في طائل بطول البقاء
ليس يحظى بنائل قطّ منها***بعد زهد عن نيله وجفاء
غير ريّ لناهل حين يظمى***مع شبع الكافل من غداء
وتجلّي عن المطامع زهد***لهم صادق بغير افتراء
قال لو آمنوا فتحنا عليهم***بركات من الثرى والسماء
غير أنّ القرى بغت فاستحقّت***بعد جحد النعماء سوء الجزاء
وبحقّ لو عشت أبصرت أمراً***عجباً في الزمان دون انقضاء
أيّ عذر لهم بما اكتسبوه***من عظيم الإجرام والأخطاء
أفلا يعلمون ما اجترموه***من حرام في عترة الأزكياء
حينما استبدلوا القوادم منّا***بالذنابا منهم بغير ارعواء
واستعاضوا عن كاهل الدين كفراً***وضلالاً بالعجز دون اهتداء
فابتعاداً لمن أساءوا وظنّوا***أنّهم يحسنون دون اتّقاء
ويحهم للرشاد من كان يهدي***من سواه أحقّ بالإقتداء
مالهم يحكمون من غير علم***بعد جهل منهم بعدل القضاء
فانتظاراً فسوف تنتج ممّا***لقحت كلّ فتنة عشواء
وسيملى منها نجيعاً عبيطاً***وذُعافاً في الحلب كلّ أناء
ويرى الآخرون ممّا بناه***لهم الأوّلون غبّ البناء
ولتطيبوا عن الحياة نفوساً***واستعدّوا للفتنة العمياء
وابشروا للدمار فيكم بسيف***صارم لا يفلّ بعد المضاء
وبحكم لغاشم مستعدّ***مُستبدّ من سطوة الأُمراء
يقتفيه ممّا تثير البلايا***هرج شامل بشرّ اقتفاء
يدع الفيء والجموع زهيداً***وحصيداً منكم بحدّ الفناء
ما لكم عُمِّيت فبعداً***لكم من معاشر جهلاء
كيف تهدون للصواب رشاداً***بعد كره منكم لكلّ اهتداء
فأعادت تلك النساء عليهم***ما وعته من خطبة الزهراء
فأتاها منهم رجال وقالوا***بعد عذر منهم بغير حياء
لوعلمنا من قبل أن يبرم العهد***بهذا من سيّد الأوصياء
وما عدلنا عنه فقالت إليكم***بعد هذا عنّي لفرط التنائي
أيّ عذر لكم بما كان منكم***بعد تعذيركم بغير انتهاء
وحصول التقصير حين تجلّى***لكم الأمر في أتمّ جلاء